مقال / أنصِفْ يا تاريخ… عن ذكرى عودة الشيخ أحمد بمبا امباكي من منفاه في أدغال غابون.

0
290

بقلم شعيبُ بن حامد لوح كاتب وباحث في المريدية

فتاريخ 11 نوفمبر 1902م يوم عودة الشيخ أحمد بامبا -رضي الله عنه- من المَنفى في أدغال غابون Gabon يُمثل يوما مُهما ليس في تاريخ الطريقة المريدية فحسب، لكن في مَسيرة إسلام ومُسلمي السنغال؛ لما سطَّر فيه التاريخ من انتصار عظيم للإسلام وإعلاء كلمته، وإخفاض كلمة الكفر وإذلال المستعمر الفرنسي الذي وظَّف كل أنواع التغريب والتعذيب والقهر والبطش لحاملي راية الإسلام في قارة أفريقيا.
ومن أبرز من واجهَ غَطرسة الاستعمار وجبروته مولاي الشيخ أحمد بامبا -رضي الله عنه- في نهاية القرن التاسع عشر إلى مُنتصف القرن العشرين، وذلك بالثبات على المبادئ، والصمود كذلك أمام المُغريات التي كانت الواحدة منها تكفي أن يعيش بها عيشا هنيئا بعيدا عن الصَّخَب والمشكلات التي تنتظر من يتحدَّى لقوة في حجم استعمار بسط نفوذه ونثر عيونه وبثَّ وسائل بقائه في كل أنحاء البلد.
وإن العودة سالما غانما من أيدي هؤلاء الكفرة الذين قستْ قلوبهم أكثر من الحجارة لهيَ من أكبر كرامات مولانا الشيخ أحمد بامبا؛ إذ في ذلك نجاةٌ من كل الأشواك التي كانت مَفروشة أمامه، وتجاوز الحُفر التي يُعد الدخول فيها هلاك وأيُّ هلاك! وفشل مشروع، وخيبة آمال، وولادة آلام متواصلة.
ثماني حِجج إلا قليلا وشيخنا مُتقلب بين مِحن ونقم، بين أمكنة كلها ظلمة ووِحشة، دون تأوُّه ولا تأفُّف ولا تذَبذُب ولا سلب قدر ذَرة من إيمانه القوي، ويقينه الثابث، وصبره الراسخ، وتوكله على الحي الذي لا يموت، جعل نُصب عينه في كل هذه السنوات على إرضاء سيده ووسيلته في الخدمة التي بايعه بها، بنفس طيبة:
نبيَّ الهدى طابتْ لي النفسُ هاهنا = وأنتَ بمدحي كالصلاة جديرُ
وأجمل من العودة عفوه التام وبدون شرط للاستعمار الفرنسي في كل ما جناه ضده ظلما وعدوانا، إذ أخرجوه دون برهان ساطع ولا دليل قاطع بالاعتماد على تَخمينات وأسباب كانت أوهن من بيت العنكبوت، قال في هذا العفو:
عفوتُ عن الأعداءِ طُرًّا لوَجهِ مَن = نفاهمْ لغيري سرمدا لستُ أدفعُ
ولو أنصف التاريخ لمولاي لَدوَّن هذا العفو في صفحاته، ولخصَّص له مساحة واسعة من اهتماماته، ولعدَّ شيخنا أبرز رجل طرح اللاَّعنف ودعا إلى السِّلم ليس بالتنظير فقط لكن بالتّوظيف والتطبيق في أعلى وأرقى مُستوياته.
كما أنه لو كان للمستعمر أدنى مسكة من العقل السليم، لما تضلَّع في مشروع تغريب ثانٍ له إلى بلاد الشنقيط (مُوريتانيا)؛ علما بأن ذلك إشعار على أنهم لم يقفوا بعدُ على كُنه وحقيقة هذا الرَّجل العظيم، وأن نور الإسلام الذي يريدون إطفاءه عبر هذا التغريب إخفاق وفشل ذريعٌ لهم، {يُريدون ليُطْفِئُوا نورَ الله بأفواههِم والله مُتِمٌّ نورَه ولو كَرهَ الكافرُونَ}، {والله غالبٌ على أمره ولكن أكثر الناسِ لا يعلمونَ}.
#ذِكرى 11 نوفمبر 1902م…

            ربيعُ الآخر 1445 هجرية.
              نوفمبر 2023 ميلادية.

LAISSER UN COMMENTAIRE

S'il vous plaît entrez votre commentaire!
S'il vous plaît entrez votre nom ici